إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

كانت لحوم الأضاحي خزناً استراتيجياً!

من المؤكد أن جيل اليوم، لم يكن يعرف على أي نحو كان آباؤهم وأجدادهم يتعاملون مع لحوم الأضاحي، خصوصا وهم بالكاد يأكلون اللحم فيما كان يتلهف عليها أهلهم هبرة أو شحمة، خصوصاً أن جيل اليوم باتوا زبائن دائمين للوجبات السريعة من الهامبورجر والسجق وبقية الأصناف التي لا تغري أهلهم بقدر ما صارت مشكلة في عادة تغذية غير صحية لفلذات أكبادهم.
حكايات طريفة مشابهة بقدر من التنهدات، يحكيها الآباء عن الحفاوة التي تصاحب حلول عيد الأضحى المبارك، من حيث هو مناسبة دينية مقدسة بالدرجة الأولى ومن حيث ما كان يعنيه لهم من توافر كميات كبيرة من اللحم باعتباره حدثاً فريداً، فقد كانت العائلات والأسر ضنينة بما يصل إلى بيوتها من اللحم يهديها إليهم جارٌ أو قريبٌ مثلما يفعلون هم الشيء ذاته، ولذلك كانوا لا يعمدون إلى السرعة في استهلاكها، وإنما يتبعون معها سياسة طويلة النفس، حتى إنه يمكن وصفها بموقف استراتيجي يستهدف أن تكون كميات اللحم التي جمعتها الأسرة خزناً استراتيجياً يتمونون منه بالتقسيط بكمية قليلة ليكفيهم العام كله، بل كان زاداً نوعياً لا ينافسه زادٌ آخر فقد كانت إمكانية الحصول على اللحم بالشراء نادرة الحدوث لضيق ذات اليد في تلك الأيام، ولقلة ما يتم ذبحه أيضاً، وإن كانت بعض المناسبات قد تجود به على حين غرة إما من لحم عقيقة (تميمة) لمولود جديد أو لزفاف تم أو ''عزومة'' لقريب جاء من سفر.. إلخ، ففي مثل هذه المناسبات تمتد الأيدي إلى قطع اللحم بنهم لا يقاوم!!
أما كيف كان لحم الأضاحي زاداً، أو كما أشرنا مخزوناً استراتيجياً، فلأن الأهل كانوا يعنون بحفظه بطريقة تقليدية (لكنها سارية المفعول حتى اليوم في العالم كله بأشكال أخرى)، حيث لا وجود للثلاجات حينذاك، وهم إما يقومون بطبخ اللحم مع رش قليل من الملح بعد الطبخ ثم نشره على الخصف والحصير أو نظمه في خيوط وتعليقه على الأوتاد والعوارض الخشبية وهم يسمون هذه النوعية ''حميس'' أو يجعلونه شرائح رهيفة ويرشون عليه كثيراً من الملح وهو نيئ، (غير مطبوخ) ويعلقونه أيضا لكي يؤدي الملح وظيفته بتجفيفه من مائه ويسمون هذه النوعية ''قديد'' أو ''قفر''.. والطريقتان كانتا سائدتين للحفظ وهو ما أصبح يُعرف اليوم بـ ''التصبير''، ''أي الحفظ بالتجفيف بالملح لكيلا يتسمّم اللحم ولا يفسد، وهم لكي يعيدوا طهيه يعمدون إلى نقعه في الماء لتخليصه أولاً من كميات الملح ثم يطبخ''.
____________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق