إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 15 ديسمبر 2011

توضيح الاقتصاد الصيني.. (استعراض كتاب)



غلاف كتاب: توضيح الاقتصاد الصيني'' من تأليف جوسن ييفو لين. الناشر: مطبعة جامعة كامبردج.
غلاف كتاب: توضيح الاقتصاد الصيني'' من تأليف جوسن ييفو لين. الناشر: مطبعة جامعة كامبردج.



مارتن وولف



قاعدة النجاح الصيني المعاصر هي أن سياسييها شجعوا الاقتصاد على التطور باتجاه الميزة المقارنة النشطة.
يظهر لنا سجل وطني، وعملي ما نتوقعه من المختصين الصينيين ذوي التأثير المتزايد على الشؤون العالمية.
جوستن لين مثال على ظاهرة جديدة نسبياً: العلاّمة الصيني الواثق من نفسه، وصانع السياسة العالمي. وهو الآن كبير الاقتصاديين، ونائب رئيس البنك الدولي. وعلى الرغم من أنه يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة شيكاغو، فإنه صيني على نحو متميز: مهني، ووطني، وفوق كل ذلك عملي.
هذا الكتاب ترجمة لمحاضرات ألقاها الأستاذ لين في جامعة بكين. وهو يقدم وجهة نظر لمطلع داخلي بخصوص أهم حدث اقتصادي في زمننا: نهوض الصين. وسواء وافق المرء، أم لا – فإنني أجد أن معظم حججه مقنع – علينا أن نفهم كيف يفكر هذا الرجل.
فما الذي يخبرنا به الكتاب؟
أولاً، كان الأداء الصيني مذهلاً ''استطاعت الصين منذ عام 1978 المحافظة على نمو اقتصادي سريع على مدى 33 عاماً. وإن المعدل السنوي للنمو هو 9.9 في المائة، بينما بلغ معدل نمو التجارة الخارجية 16.3 في المائة''.
ثانياً، ''أفاد النمو الصيني العالم كذلك''. وهكذا ''فإن النمو الصيني القوي خلال الأزمة كان أهم قوة دافعة للاقتصاد العالمي. وبالمثل ''حقق ثلثا الاقتصادات الإفريقية في الفترة من 2000 – 2007 نمواً زاد معدله السنوي على 5.5 في المائة، كما أن حوالي ثلث اقتصادات إفريقيا بلغ نمواً بنسبة 7 في المائة. ومرة أخرى نجد أن الفضل في مثل هذا النمو غير المسبوق في إفريقيا يعود في جزء منه إلى الصين''.
مع ذلك، فإن هنالك الكثير هنا ممّا يتجاوز ذلك. كتعلق إحدى المناقشات المثيرة للاهتمام بسبب تخلف الصين عن الغرب في القرن التاسع عشر. ولا يعيد الأستاذ لين هذا الأمر، كما يفعل البعض في الوقت الراهن، إلى الخط الغربي في الحصول على الموارد الصحيحة، في الأماكن الصحيحة. وبدلاً من ذلك، فإنه يجادل بأن الغرب حقق اختراقاً كبيراً في المنهج العلمي. وفشلت الصين في معادلة هذا الأمر لأن مفكريها كانوا عالقين في اختبارات خدمتها المدنية.
هنالك نقطة أكثر اتصالاً بالسياسات، وهي التمييز الذي يحدده الأستاذ لين بين استراتيجيات التنمية بخصوص ''تحدي الميزة المقارنة''، و''متابعة الميزة المقارنة''. وهو يجادل بأن الأولى اتسم بها معظم البلدان النامية. وتضمنت النتائج مشروعات غير مجدية، ودعماً مالياً ضخماً، وتمويلاً مشوهاً، وفساداً كاسحاً، ونمواً متعثراً. وهو يرى أن قاعدة النجاح الصيني المعاصر هي أن سياسييها شجعوا الاقتصاد على التطور باتجاه الميزة المقارنة النشطة. وهذا ما يعنيه ''الإصلاح والإنفتاح''.
مع ذلك، فإن الكتاب يجادل بأن السياسات يجب أن تكون مرنة. وهو يرفض ''العلاج بالصدمة'' على سبيل المثال. ويبدو أن الحجة جزئياً هي أن المجتمع لا يمكنه مجاراة التمزق الضخم، وهو أمر غريب في ظل الصدمات التي فرضت على الشعب الصيني من قبل الحزب الشيوعي. ولكن يعود الأمر كذلك إلى أن صانعي السياسة غالباً ما لا يعرفون ببساطة ما هو الشيء الذي يمكن أن ينجح. ويتضمن الكتاب الكثير من الأمثلة حول التجارب التي فشلت لأن الناس لما يفهموا الحوافز في العمل. وإن الحذر الظاهر في أسلوب الصين الإصلاحي ذي المسارين، والذي يتضمن قيوداً، وتحرراً يمضيان معاً لفترة طويلة من الزمن، يبرر بنجاحه.
هنالك مناقشة مهمة تتمثل في الإبداع. وإن على الصين كبلد ''ناهض''، أن تركز على استيعاب التكنولوجيا الموجودة بالفعل، حيث يعمل ذلك على تخفيض تكاليف التنمية. وسوف يتم تضمين الكثير من هذا الإبداع في الآلات الجديدة، الأمر الذي يجعل الاستثمار الرفيع بالغ الأهمية.
لا يغيب نظر الأستاذ لين عن الأمور التي لا يزال ينبغي القيام بها. وهو متخوف من زيادة عدم المساواة، على سبيل المثال. وهو يؤكد أن التوسع المستمر للفجوة بين الدخل في المدن، والريف البالغة 3.3 إلى 1، يمكن أن تكون متفجرة. ولكنه ليس من الدعاة المعجبين بإعادة التوزيع. ويعتقد، بدلاً من ذلك، أن المزيد من تحسين آلية السوق، سوف يكون أشد تأثيراً. وإن إحدى السياسات التي يؤكد عليها هي تطوير بنوك صغيرة، ومتوسطة الحجم لدعم المشروعات الصغيرة، والمتوسطة. وهنالك سياسة أخرى يؤكد عليها وتتمثل في ''إنشاء ريف اشتراكي جديد''، مع التأكيد على البنى التحتية في الريف، وذلك دعماً للاستثمار، والاستهلاك.
إنه يولي انتباهاً خاصاً كذلك للتجاوزات الثلاثة – الاستثمار المتجاوز، والائتمان المتجاوز، والفوائض التجارية المتجاوزة. وأما أن الاقتصاد غير متوازن بالفعل، فإن ذلك أمر واضح للغاية.
هذا بعيد عن عمل حاسم بخصوص التنمية الصينية.
وإن هنالك موضوعات كثيرة مهمة تركت لجانب واحد: وإن دور الصين في الاقتصاد العالمي ما هو إلا أحد الأمثلة على ذلك.
ومن المؤكد كذلك أن الكتاب يتجاهل السياسة على نحو كبير. ورغم ذلك، فإن الكتاب مصدر للمعلومات، وللتبصر العميق. وفوق كل شيء، فإنه يأتي من موقف فكري نادر على نحو كبير يؤمن الأستاذ لين بشدة بالقوة النافعة لقوى السوق. ولكنه على وعي كذلك بالحاجة إلى أسلوب عملي في ممارسة السياسات: لن تجد العالم في الكتب المقررة. وإنني أشك في أن هذا هو الموقف الذي على العالم أن يتوقعه من التكنوقراط الصينيين الذين سوف يمارسون تأثيراً متزايداً على الشؤون العالمية في العقود المقبلة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه سوف يتسبب في أمور أسوأ بكثير.
________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق